نعم هو شاعر الأحجار.. وعازف الرمال.. وعاشق الطمى.. وهو فيلسوف الجغرافيا..  وراهب العلم .. د جمال حمدان.. الذى راهن على عقله وعلمه ورؤاه.. وقرر ان يجعل من بيته صومعة.. ومحرابا.. وغارا يتلقى فيه فتوحا إلهية..  بعد أن يقرأ ويقرأ، ويرى، ويتأمل، ويعمل عقليته العلمية الملهمة فيما بين يديه من مقدمات، ليدهشنا بما يصل إليه من نتائج.

لقد استبدل بالمناصب العلمية العطاء العلمى، واستغنى عن كرسى الأستاذية الذى تخطاه  ظالماً ليتربع فى قلوب الحقيقيين وعقول الفاهمين، ويحتل مكانة رفيعة على خريطة مفكرى مصر المحدثين.

د. جمال حمدان الذى اختير شخصية العام فى معرض القاهرة للكتاب ولد عام 1928.. وبدأ داراساً للجغرافيا.. وسرعان ما أدهش الأوساط العلمية والثقافية بأوراقه العلمية ومؤلفاته  الفكرية، ولا أقول الجغرافية، فقد تكامل فيها المنظور الجغرافى والتاريخى والانثروبولوجى وعلم الاجتماع السكانى ليقدم روائعه الفكرية كمفكر استراتيجى من طراز فريد.

كان فى القلب من مؤلفاته درته الثمينة "شخصية مصر" التى لفتت إليه أنظار الأوساط العلمية والثقافية ومنحته احترام المنصفين، وأثارت غيرة الزملاء والرؤساء فى الجامعة، حيث كان يعمل بعد حصوله على الدكتوراة من إنجلترا، وحين  تم تخطيه فى الترقية لمنصب الأستاذية،  قرر الاستقالة من الجامعة وهو فى سن الخامسة والثلاثين من عمره، ورفض كل المناصب التى عرضت عليه فيما بعد، وقد توالت عليه الجوائز، فبعد أن كان قد نال جائزة الدولة التشجيعية جاءته التقديرية وجاءه وسام العلوم والفنون وجاءته جائزة التفوق الكويتية، كل هذا وهو فى محرابه وصومعته يكتب ويكتب ليدهش العالم بأفكاره ورؤاه.

كتب عن بترول العرب وعن إفريقيا وعن الاستعمار وعن مكان مصر ومكانتها فى أمتها وإقليمها، وكتب وكتب عن المزاعم الإسرائيلية والأوهام التى تبيعها للعالم.

ولم يكن ينقص رحلة حياته إلا ميتة درامية مريبة كالتى حظى بها د. على مصطفى مشرفة ود. يحيى المشد ود. سميرة موسى وغيرهم،  حيث احترقت شقته وهو داخلها، أو أحرقت شقته، ليكتب فصل النهاية المثير فى حياة هذه الشخصية المدهشة التى وضعتنا على أبواب فهم شخصية مصر.

كم كنت فخوراً متألماً وأنا أتحدث عن هذا المفكر الكبير إلى الشاعرة الإعلامية همت مصطفى فى برنامج على اسم مصر الذى تقدمه على قناة صوت العرب!!
--------------------
بقلم: السيد حسن
من المشهد الأسبوعي